ولما كان في سياق تعليم الشريعة التي لم تكن معلومة قبل الإيحاء بها، لا في سياق الملة المعلومة بالعقل، أتى ب «من» تقييداً للتهديد بما بعد الإعلام بذلك فقال: {من بعد ما} ولو حذفت لفهم اختصاص الوعيد بمن استغرق زمان البعد بالمشاققة. ولما كان ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غاية الظهور قال:{تبين له الهدى} أي الدليل الذي هو سببه.
ولما كان المخالف للإجماع لا يكفر إلا بمنابذة المعلوم بالضرورة، عبر بعد التبين بالاتباع فقالك {ويتبع غير سبيل} أي طريق {المؤمنين} أي الذين صار الإيمان لهم صفة راسخة، والمراد الطريق المعنوي، وجه الشبه الحركة البدنية الموصلة إلى المطلوب في الحسي، والنفسانية في مقدمات الدليل الموصل إلى المطلوب في المعنوي {نوله} أي بعظمتنا في الدنيا والآخرة {ما تولى} أي نكله إلى ما اختار لنفسه وعالج فيه فطرته الأولى خذلاناً منا له {ونصله} أي في الآخرة {جهنم} أي تلقاه بالكراهة والغلظة والعبوسة كما تجهم أولياءنا وشاققهم.
ولما كان التقدير: فهو صائر إليها لا محالة، بين حالها في ذلك فقال:{وساءت مصيراً *} وهذه الآية دالة على أن الإجماع حجة لأنه لا يتوعد إلا على مخالفة الحق، وكذا حديث «لا تزال طائفة من أمتي