ظاهر لكل أحد، فما خالطه نجاسة صار مستقذراً لأرباب الطباع السليمة، وما خالط الأرواح من الجهل صار مستقذراً عند الأرواح الكاملة المقدسة، وما خالطه من الأرواح معرفةُ الله فواظب على خدمته أشرق بأنوار المعارف الإلهية وابتهج بالقرب من الأرواح المقدسة الطاهرة، وكما أن الخبيث والطيب لا يستويان في العالم الروحاني كذلك لا يستويان في العالم الجسماني، والتفاوت بينهما في العالم الروحاني أشد، لأن مضرة خبث الجسماني قليلة، ومنفعة طيبه يسيرة، وأما خبث الروحاني فمضرته عظيمة دائمة، وطيب الروحاني منفعته جليلة دائمة، وهي القرب من الله والانخراط في زمرة السعداء، وأدلّ دليل على إرادة العصاة والمطيعين قوله:{فاتقوا الله} أي اجعلوا بينكم وبين ما يسخط الملك الأعظم الذي له صفات المال من الحرام وقايةً من الحلال لتكونوا من قسم الطيب، فإنه لا مقرب إلى الله مثلُ الانتهاء عما حرم - كما تقدم الإشارة بقوله:{ثم اتقوا وأحسنوا}[المائدة: ٩٣] ويزيد المعنى وضوحاً قوله {يا أولي الألباب} أي العقول الخالصة من شوائب النفس فتؤثروا الطيب وإن قل في الحبس لكثرته في المعنى على الخبيث وإن كثر في الحس لنقصه في المعنى {لعلكم تفلحون *} أي لتكونوا على رجاء من أن تفوزوا بجميع المطالب، وحينئذ ظهر كالشمس مناسبة تعقيبها