فمن قبل ذلك كان حظه من الله، ومن أبى كان جوابه السيف الماحق لدولته - كما ذكرته مستوفى في شرحي لنظمي للسيرة وهو مذكور في فتوح البلاد؛ ولما بعث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسله اتخذ لأجل مكاتبة الملوك الخاتم، أخرج أبو يعلى في مسنده عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى كسرى وقيصر - وفي رواية: وأكيدر دومة وإلى كل جبار - يدعوهم إلى الله وأخرج الشيخان في صحيحهما - وهذا لفظ مسلم - عن أنس بن مالك أيضاً رضي الله عنه قال: لما أراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكتب إلى الروم - وفي رواية: إلى العجم - قالوا: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتماً من فضة كأني أنظر إلى بياضه في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقشه «محمد رسول الله» .
فبعث دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه إلى قيصر ملك الروم وأمره أن يوصل الكتاب إلى عظيم بصرى ليوصله إليه، فعظم كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبله وقرأه ووضعه على وسادة وعلم صدقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه سيغلب على ملكه، فجمع الروم وأمرهم بالإسلام فأبوا، فخافهم فقال: إنما أردت أن أجربكم، ثم لم يقدر الله له الإسلام، فأزال الله حكمه عن الشام وكثير من الروم على يدي أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ثم عن كثير من الروم أيضاً على يد من بعدهم، ومكن بها