كما ترى الحائر المدهوش في الدنيا يفعل مثل ذلك فهو إيئاس من فلاح الجميع: المشركين وأهل الكتاب، أو يكون المعنى تنديماً لهم وتأسيفاً: أنه لم يكن عاقبة كفرهم الذي افتتنوا به في لزومه والافتخار به والقتال عليه - لكونه دين الآباء - إلاّ جحوده والبراءة منه والحلف على الانتفاء من التدين به، والمعنى على قراءتي النصب والرفع في «فتنة» على جعلها خبراً أو اسماً واحداً، فمعنى قراء النصب: لم يكن شيء إلاّ قولهم - أي غير قولهم الكذب - فتنتهم، أي لم يكن شيء فتنتهم إلاّ هذا القول، فهذا القول وحده فتنتهم، فنفى عن فتنتهم وسلب عنها كل شيء غير قولهم هذا، فالفتنة مقصورة على قولهم الكذب، والكذب قد يكون ثابتاً لغيرها، أي إنهم يكذبون من غير فتنة، بل في حال الرخاء، وهذا بعينه معنى قراءة ابن كثير وابن عامر وحفص برفع فتنة، أي لم تكن فتنتهم شيئاً غير كذبهم، فقد نفيت فتنتهم عن كل شيء غير الكذب، فانحصرت فيه، ويجوز أن يكون ثابتاً في حال غيرها - على ما مر، وهذا التقدير نفيس عزيز الوجود دقيق المسلك - يأتي إن شاء الله تعالى عند
{وما كان صلاتهم عند البيت}[الأنفال: ٣٥] في الأنفال ما ينفع هنا فراجعه.
ولما كان هذا من أعجب العجب، أشار إليه بقوله:{انظر} وبالاستفهام في قوله: {كيف كذبوا} وبالإشارة إلى أنهم فعلوه