مع علمهم بما انكشف لهم من الغطاء أنه لا يجديهم بقوله:{على أنفسهم} وهو نحو قوله {فيحلفون له كما يحلفون لكم}[المجادلة: ١٨]- الآية.
ولما كان قولهم هذا مرشداً إلى أن شركاءهم غابوا عنهم، فلم ينفعوهم بنافعة، وكان الإعلام بفوات ما أنهم مقبل عليه فرح به، ساراً لخصمه جالباً لغمه، صرح به في قوله:{وضل} أي غاب {عنهم} إما حقيقة أو مجازاً، أو هما بالنظر إلى وقتين، ليكون إنكاراً {ما كانوا يفترون} أي يتعمدون الكذب في ادعاء شركته عناداً لما على ضده من الدلائل الواضحة.
ولما علم أن هذه الآيات قد ترابطت حتى كانت آية واحدة، وختم بأن مضمون قوله {فقد كذبوا بالحق لما جاءهم}[الأنعام: ٥]- الآية، قد صار وصفاً لهم ثابتاً حتى ظهر في يوم الجمع، قسم الموسومين بما كانت تلك الآية سبباً له، وهو الإعراض عن الآيات المذكور في قوله {إلاّ كانوا عنها معرضين}[الأنعام: ٤] ، فكان كأنه قيل: فمنهم من أعرض بكليته، فعطف عليه قوله:{ومنهم من يستمع إليك} أي يصغي بجهده كما في السيرة عن أبي جهل بن هشام وأبي سفيان بن حرب والأخنس بن شريق أن كلاًّ منهم جلس عند بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليل يستمع القرآن.