ولما كان هذا مما يعرفونه وشاهدوه مراراً، وكانوا عالمين بأن دعاء أصحابه له في غاية النصيحة والخير، وأنه إن تبعهم نجا، وإلا هلك هلاكاً لا تدارك له، فكان جوابهم: إن دعاء أصحابه به لهدى، بين أنه مضمحل تافه جداً بحيث إنه يجوز أن يقال: ليس هدى بالنسبة إلى هذا الذي يدعوهم إليه، بقوله:{قل إن هدى الله} أي المستجمع لصفات الكمال {هو} أي خاصة {الهدى} أي لا غيره كدعاء أصحاب المستهوي، بل ذاك الهدى مع إنقاذه من الهلاك إلى جنب هذا الهدى كلا شيء، لأن الشيء هو الموصل إلى سعادة الأبد.
ولما كان التقدير: فقد أمرنا أن نلزمه ونترك كل ما عداه، عطف عليه أمراً عاماً فقال:{وأمرنا لنسلم} أي ورد علينا الأمر ممن لا أمر لغيره بكل ما يرضيه لأن نسلم بأن نوقع الإسلام وهو الانقياد التام فنتخلى عن كل هوى، وأن نقيم الصلاة بأن نوقعها بجميع حدودها الظاهرة والباطنة فنتحلى بفعلها أشرف حلى {لرب العالمين *} أي لإحسانه إلى كل أحد بكل شيء خلقه؛ ثم فسر المأمور به، فكأنه قال: أن أسلموا {وأن أقيموا الصلاة} لوجهه {واتقوه} مع ذلك، أي افعلوها لا على وجه الهزء واللعب، بل على وجه التقوى والمراقبة ليدل ما ظهر منها على ما بطن من الإسلام للمحسن.
ولما كان التقدير: فهو الذي ابتدأ خلقكم من طين فإذا أنتم بشر مصورون، وجعلكم أحياء فبقدرته على مدى الأيام تنتشرون، عطف