موضع جهلهم {من أنزل الكتاب} أي الجامع للأحكام والمواعظ وخيري الدنيا والآخرة {الذي جاء به موسى} أي الذي أنتم تزعمون التمسك بشرعه، حال كون ذلك الكتاب {نوراً} أي ذا نور يمكن الأخذ به من وضع الشيء في حاقّ موضعه {وهدى للناس} أي ذا هدى لهم كلهم، أما في ذلك الزمان فبالتقيد به، وأما عند إنزال الإنجيل فبالأخذ بما أرشد إليه من اتباعه، وكذا عند إنزال القرآن، فقد بان أنه هدى في كل زمان تارة بالدعاء إلى ما فيه وتارة بالدعاء إلى غيره؛ ثم بين أنهم اخفوا منه ما هو نص وصريح في الدعاء إلى غيره اتباعاً منهم للهوى ولزوماً للعمى فقال:{تجعلونه} أي أيها اليهود {قراطيس} اي أوراقاً مفرقة لتتمكنوا بها من إخفاء ما أردتم {تبدونها} أي تظهرونها للناس {وتخفون كثيراً} أي منها ما تريدون به تبديل الدين - هذا على قراءة الجماعة بالفوقانية، وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالغيبة هو التفات مؤذن بشدة الغضب مشير إلى أن ما قالوه حقيق بأن يستحيى من ذكره فكيف بفعله! ثم التفت إليهم للزيادة في تبكيتهم إعلاماً بأنهم متساوون لبقية الإنسان في أصل الفطرة، بل العرب أزكى منهم وأصح أفهاماً، فلولا ما أتاهم به موسى عليه السلام ما فاقوهم بفهم، ولا زادوا عليهم في علم، فقال:{وعلمتم} أي أيها اليهود بالكتاب الذي أنزل على موسى {ما لم تعلموا أنتم} أي