طوق الإنسان والملائكة والجان لكونها صفة الرحمن، فكانت فخراً يتوقع فيه التنبيه عليه فقال:{قد فصلنا} أي بينا بياناً شافياً على ما لنا من العظمة {الآيات} واحدة في إثر واحدة على هذا الأسلوب المنيع والمثال الرفيع؛ ولما كانت من الوضوح في حد لا يحتاج إلى كثير تأمل قال:{لقوم يعلمون *} أي لهم قيام فيما إليهم، ولهم قابلية العلم ليستدلوا بها بالشاهد على الغائب.
ولما ذكر سبحانه بعض هذا الملكوت الأرضي والسماوي، أتبعه - كما مضى في أول السورة - الخلق المفرد الجامع لجميع الملكوت، وهو الإنسان، دالاً على كمال القدرة على كل ما يريد، مبطلاً بمفاوتة أول الإبداع وآخر الآجال ما اعتقدوا في النور والظلمة والشمس والقمر وغيرهما، لأن واحداً منها لا اختيار له في شيء يصدر عنه، بل هو مسخر ومقهور كما هو محسوس ومشهور، فقال:{وهو} أي لا غيره {الذي أنشأكم} أي وأنتم في غاية التفاوت في الطول والقد واللون والشكل وغير ذلك من الأعراض التي دبرها سبحانه على ما اقتضته حكمته {من نفس واحدة} ثم اقتطع منها زوجها ثم فرّعكم منهما.
ولما كان أغلب الناس في الحياة الدنيا يعمل عمل من لا يحول ولا يزول، لا يكون على شرف الزوال ما دامت فيه بقية