الرسول لم تزل الرسل - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام - تدعو إليه، وكان نوح أول رسول ذكرت رسالته عقب ذكر إرساله بذكر ما أرسل به بالفاء بقوله {فقال يا قوم} أي فتحبب إليهم بهذه الإضافة {اعبدوا الله} أي الذي له جميع العظمة من الخلق والأمر، فإنه مستحق لذلك وقد كلف عباده به.
ولما كان المقصود إفراده بذلك، علله بقوله مؤكداً له بإثبات الجار {ما لكم} وأغرق في النفي فقال: {من إله غيره} ثم قال معللاً أو مستأنفاً مخوفاً مؤكداً لأجل تكذيبهم: {إني أخاف عليكم} في الدنيا والآخرة، ولعلة قال هنا:{عذاب يوم عظيم*} وفي هود {أليم}[هود: ٢٦] وقال في المؤمنون {أفلا تتقون}[المؤمنون: ٢٣] لأن ترتيب السور الثلاث - وإن كان الصحيح أنه باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم - فلعله جاء على ترتيبها في النزول، لأنها مكيات، وعلى ترتيب مقال نوح عليه السلام لهم فألان لهم أولاً المقال من حيث إنه أوهم أن العظم الموصوف به {اليوم} لا بسبب العذاب بل الأمر آخر، فيصير العذاب مطلقاً يتناول أي عذاب كان ولو قل، فلما تمادى تكذيبهم بين لهم أن عظمه إنما هو من جهة إيلام العذاب الواقع فيه، فلما لجوا في عتوهم قال لهم قول القادر إذا هدد عند مخالفة غيره له: