ولما كانوا يعظمون الجن ويخافونهم ويضلون بهم، بدأ بهم فقال:{من الجن} أي بنصبهم أنفسهم آلهة بإضلالهم الإنس في تزيين عبادتهم غير الله، فهم في الحقيقة المعبودون لا الحجارة، ونحوها {والإنس} أي بعبادتهم لمن لا يصلح، وعلم أن الآية صالحة لأن تكون معطوفة على الجملة التي قبلها فهي من فذلكة ما تقدم.
ولما كان كأنه قيل: ما لهم رضوا لأنفسهم بطريق جهنم؟ قيل:{لهم} ولما كان السياق للتفكر، بدأ بالقلوب فقال:{قلوب لا يفقهون بها} أي الفقه الذي كلفوا به، وهو النظر في أدلة التوحيد وثبوت النبوة وما تفرغ عن ذلك، وهو الفقه المسعد، عد غيره عدماً لأنه لم ينفعهم النفع المقصود في الحقيقة، وما أحسن التعبير بالفقه في السياق إقامه الأدلة التي منها إرسال الرسل وإنزال الكتب.
ولما كان البصر أعم من السمع، لأنه ينتفع به الصغير الذي لا يفهم القول، وكذا كل من في حكمه، قدمه فقال:{ولهم أعين} ولما لم يترتب عليهما الإبصار النافع في الآخرة الباقية، نفى إبصارهم وإن كانوا أحدّ الناس إبصاراً فقال:{لا يبصرون بها} أي الآيات المرئية إبصار تفكر واعتبار {ولهم آذان} ولما لم يترتب على سمعها ما ينفعهم، نفاه على نحو ما مضى فقال:{لا يسمعون بها} أي الآيات المسموعة وما