للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يدل عليها سماع ادكار وافتكار، ولما سلبت عنهم هذه المعاني كانت النتيجة: {أولئك} أي البعداء من المعاني الإنسانية {كالأنعام} أي في عدم الفقه، ولما كانوا قد زادوا على ذلك تفقد نفع السمع والبصر قال: {بل هم أضل} لأنهم إما معاند وإما جاهل بما يضره وينفعه، والأنعام تهرب إذا سمعت صوتاً منكراً فرأت بعينها أنه يترتب عليه ضرها، وتنتظر ما ينفعها من الماء والمرعى فتقصده، والأنعام لا قدرة لها على ما يترتب على هذه المدارك من الفقه. وهؤلاء مع قدرتهم على ذلك أهملوه فنزلوا عن رتبتها درجة كما أن من طلب الكمال وسعى له سعيه مع نزاع الشهوات علا عن درجة الملائكة بما قاسى من الجهاد.

ولما تشاركوا الأنعام بهذه في الغفلة وزادوا عليها، أنتج ذلك قطعاً على طريق الحصر: {أولئك} أي البعداء البغضاء {هم} أي خاصة {الغافلون*} لا الأنعام، فإنها - وإن كانت غافلة عما يراد بها - غير خالدة في العذاب، فلم تشاركهم في العمى والصمم عما ينفعها ولا في الغفلة عن الخسارة الدائمة، فقد أشارت الآية إلى تفضيل الإنسان على الملك كما اقتضته سورة الزيتون، لأنه جعل في خلقه وسطاً بين الملك الذي هو عقل صرف والحيوان الذي هو شهوة مجردة، فإن غلب عقله كان أعلى بما عالجه من جهاد الشهوات فكان في

{أحسن تقويم} [التين: ٥] وإن غلبت شهوته كان اسفل من الحيوان بما أضاع من عقله فكان {أسفل سافلين} [التين: ٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>