ولما وصف نفسه من العلم بما يدعو كل ذي همة إلى السعي في الأسباب التي حصل له ذلك بها ليصير مثله أو يقرب منه، وكان محل أن يقال: من علمك ذلك؟ قال مرشداً إلى الله داعياً إليه أحسن دعاء بما تميل إليه النفوس من الطمع في الفضل:{ذلكما} أي الأمر العظيم؛ ونبه على غزارة علمه بالتبعيض في قوله:{مما علمني ربي} أي الموجد لي والمربي لي والمحسن إليّ، ولم أقله عن تكهن ولا تنجم، فكأنه قيل: ما لغيرك لا يعلّمه مثل ما علمك؟ فقال معللاً له مطمعاً كل من فعل فعله في فضل الله، مؤكداً إعلاماً بأن ذلك أمر عظيم يحق لمثله أن يفعل:{إني تركت ملة قوم} أي وإن كانوا أقوياء على محاولة ما يريدون، فلذلك قدروا على أذاي وسجني بعد رؤية الآيات الشاهدة لي، ونبه على أن ذلك لا يقدم عليه إلاّ من لا يحسب العاقبة بوجه، فقال:{لا يؤمنون} أي يجددون الإيمان لما لهم من العراقة في الكفر {بالله} أي الملك الأعظم الذي لا يخفى أمره على ذي لب من أهل مصر وغيرهم؛ ثم لوح إلى التحذير من يوم الجزاء الذي