ولما كان أهم شيء للحيوان بعد الراحة من همّ المقيل الأكل، ثنى به، ولما كان عاماً في كل ثمر، ذكره بحرف التراخي إشارة إلى عجيب الصنع في ذلك وتيسيره لها، فقال تعالى:{ثم كلي} وأشار إلى كثرة الرزق بقوله تعالى: {من كل الثمرات} قالوا: من أجزاء لطيفة تقع على أوراق الأشجار من الظل، وقال بعضهم: من نفس الأزهار والأوراق.
ولما أذن لها في ذلك كله، وكان من المعلوم عادة أن تعاطيه لا يكون إلا بمشقة عظيمة في معاناة السير إليه، نبه على خرقه للعادة في تيسيره لها فقال تعالى:{فاسلكي} أي فتسبب عن الإذن في الأكل الإذن في السير إليه {سبل ربك} أي المحسن إليك بهذه التربية العظيمة لأجل الأكل ذاهبة إليه وراجعة إلى بيوتك حال كون السبل {ذللاً} أي موطأة للسلوك مسهلة كما قال تعالى {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً}[الملك: ١٥] وأشار باسم الرب إلى أنه لولا عظيم إحسانه في تربيتها لما اهتدت إلى ذلك؛ ثم أتبعه نتيجة ذلك جواباً لمن كأنه قال: ماذا يكون عن هذا كله؟ فقال تعالى: - {يخرج من بطونها} - بلفت الكلام لعدم قصدها إلى هذه النتيجة {شراب} أيّ شراب! وهو العسل لأنه مع كونه من أجلّ المآكل هو «مما يشرب»{مختلف ألوانه}