وترك المقابلة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة، وأسلم للعرض والورع، وكأنه أطلق الخطاب إعلاماً بأن أكثر قول الجاهل الجهل.
ولما ذكر ما بينهم وبين الخلق من القول والفعل، وكان الغالب على ذلك أن يكون جلوة نهاراً، ذكر ما بينهم وبين خالقهم من ذلك خلوة ليلاً، وذكر هذه المعطوفات التي هي صفات بالواو، تنبيهاً على أن كل واحدة منها تستقل بالقصد لعظم خطرها، وكبر أثرها، فقال:{والذين يبيتون} من البيتوتة: أن يدركك الليل نمت أو لم تنم، وهي خلاف الظلول؛ وأفاد الاختصاص بتقديم {لربهم} أي المحسن إليهم برحمانيته، يحيون الليل رحمة لأنفسهم، وشكراً لفضله.
ولما كان السجود أشد أركان الصلاة تقريباً إلى الله، لكونه أنهى الخضوع مع أنه الذي أباه الجاهلون، قدمه لذلك ويعلم بادىء بدء أن القيام في الصلاة فقال:{سجداً} وأتبعه ما هو تلوه في المشقة تحقيقاً لأن السجود على حقيقته فيتمحص الفعلان للصلاة، فقال:{وقياماً*} أي ولم يفعلوا فعل الجاهلين من التكبر عن السجود، بل كانوا - كما قال الحسن رحمه الله: نهارهم في خشوع، وليلهم في خضوع.
ولما ذكر تهذيبهم لأنفسهم للخلق والخالق، أشار إلى أنه لا إعجاب عندهم، بل هم وجلون، وأن الحامل لهم على ذلك الإيمان بالآخرة التي