حق تدبره على ما يتعارفه العرب في مخاطباتها، من سائر لغاتها، بحقائقها ومجازاتها على اتساع إراداتها، وتباعد مراميها في محاوراتها، وحسن مقاصدها في كناياتها واستعاراتها، ومن يحيط بذلك حق الإحاطة غير العليم الحكيم الخبير البصير، وإنما كانت عربيته وإبانته موضحة لسبقه قلبه، لأن من تكلم بلغته - فكيف بالبين منها - تسبق المعاني الألفاظ إلى قلبه، فلو كان أعجمياً لكان نازلاً على السمع، لأنه يسمع أجراس حروف لا يفهم معانيها؛ قال الكشاف: وقد يكون الرجل عارفاً بعدة لغات، فإذا كلم بلغته التي لقنها أولاً ونشأ عليها وتطبع بها لم يكن قلبه إلا إلى المعاني، ولا يكاد يفطن للألفاظ، وإن كلم بغيرها وإن كان ماهراً فيها كان نظره أولاً في ألفاظها ثم في معانيها - انتهى. ففيه تقريع عظيم لمن يعرف لسان العرب ولا يؤمن به.
ولما كان الاستكثار من الأدلة مما يسكن النفوس، وتطمئن به