وتذكير العمل يشير إلى عظم الأمر {عاقبة} أي آخر أمر {الذين} ولا كان حال من قرب من زمان الإنسان أوعظ له، أثبت الجار فقال:{من قبلهم} في إهلاك العاصي وإنجاء الطائع، ولما كان علم العاقبة مشروطاً بمعرفة البادئة قال مستأنفاً:{كانوا} أي كوناً هو في غاية المكنة.
ولما كان السياق للظهور والغلبة التي إنما مدارها على الشدة المقتضية للثبات، لا الكثرة العارية عنها، أعرض عنها وقال مسقطاً ضمير الفصل لأن هذا السياق لا يظهر فيه ادعاء العرب لعلوهم على فارس ولا الروم:{أشدَّ منهم} أي من العرب {قوة} أي في أبدانهم وعقولهم، ولما كان التقدير: فنقبوا الجبال، وعلوا من متقن الصنائع التي ترونها من الأعمال ما لم يدانيه أحد من الأجيال، عطف عليه قوله:{وأثاروا} بالحرث وغيره {الأرض} فأخرجوا ما فيها من المنافع من المياه والمعادن والزروع وغير ذلك من المعادن {وعمروها} أي أولئك السالفون {أكثر مما عمروها} أي هؤلاء الذين أرسلت إليهم، بل ليس لهم من إثارة الأرض وعمارتها كبير أمر، فإن بلاد العرب إنما هي جبال سود وفيافي غبر، فما هو إلا تهكم بهم، وبيان لضعف حالهم في دنياهم التي لا فخر لهم بغيرها.