ولما كانوا قد وقفوا مثل هؤلاء مع السبب الأدنى، ولم يرتقوا بعقولهم إلى المطلوب الأعلى، أخبر أنه أرسل إليهم الدعاة ينبهونهم من رقدتهم، وينقذونهم من غفلتهم، فكان التقدير: فضلوا عن المنهج الواضح، وعموا عن السبيل الرحب، وزاغوا عن طريق الرب، فأرسلنا إليهم الرسل، فعطف عليه قوله مشيراً بتأنيث الفعل إلى ضعف عقولهم بتكذيبهم الرسل كما تقدم إيضاحه عند {تلك الرسل}[البقرة: ٢٥٣] : {وجاءتهم رسلهم} أي عنا {بالبينات} من المعجزات مثل ما أتاكم به رسولنا من وعودنا السابقة، وأمورنا الخارقة، كأمر الإسراء وما أظهر فيه من الغرائب كالإخبار بأن العير تقدم في يوم كذا يقدمها جمل صفته كذا وغرائره كذا، فظهر كذلك، وما آمنتم كما لم يؤمن من كان أشد منكم قوة {فما} أي بسبب أنه ما {كان الله} على ما له من أوصاف الكمال مريداً {ليظلمهم} بأن يفعل معهم فعل من تعدونه أنتم ظالماً بأن يهلكهم في الدنيا ثم يقتص منهم في القيامة قبل إقامة الحجة عليهم بإرسال الرسل بالبينات {ولكن كانوا} بغاية جهدهم {أنفسهم} أي خاصة {يظلمون} أي يجددون الظلم لها بإيقاع الضر موقع جلب النفع، لأنهم لا يعتبرون بعقولهم التي ركبناها فيهم ليستضيؤا بها فيعلموا الحق من الباطل، ولا يقبلون من الهداة إذا كشفوا لهم ما عليها من الغطاء، ولا يرجعون