أقروا بشيء هم له منكرون لأجل الخوف خوف السبة بذلك والعار حتى قال من قال: لولا أن يقال إني ما أسلمت إلا جزعاً من الموت فيسب بذلك بني من بعدي لأسلمت. بين لهم سبحانه أنهم وقعوا بما فعلوا عند خوف الغرق في ذلك، وأعجب منه رجوعهم إلى الكفر عند الإنجاء، لما فيه مع ذلك من كفران الإحسان الذي هو عندهم من أعظم الشنع، فقال دالاً بالفاء على قرب استحالتهم وطيشهم وجهالتهم:{فلما نجّاهم} أي خلصهم رافعاً لهم، تنجية لهم عظيمة بالتدريج من تلك الأهوال {إلى البر} نزلوا عن تلك المرتبة التي أخلصوا فيها الدين، وتنكبوا سبيل المفسدين وانقسموا قسمين {فمنهم} أي تسبب عن نعمة الإنجاء وربط بها إشارة إلى أن المؤثر لهذا الانقسام إنما هو الاضطرار إلى الإخلاص في البحر والنجاة منهم أنه كان منهم {مقتصد} متكلف للتوسط والميل للإقامة على الطريق المستقيم، وهو الإخلاص في التوحيد الذي ألجأه إليه الاضطرار، وهم قليل - بما دل عليه التصريح بالتبعيض، ومنهم جاحد للنعمة ملق لجلباب الحياة في التصريح بذلك،