أي المكرهين على حضور هذا الموطن الضنك الذي أنت فيه، فيالله ما أعظم إحسان هذه الآية في التنفير من العشرة لقرناء السوء لأنها شديدة الخطر قبيحة الأثر، ولقد أبان نظره هذا عن أنه لم يكن أعلى لذة مما كان فيه فليس بأدنى منه، فإنه لا شيء ألذ من رؤية العدو الماكر الذي طالما أحرق الأكباد وشوش الأفكار، في مثل دلك من الإنكار، وعظائم الأكدار، من غمرات النار.
ولما رأى ذاك فيما هو فيه من الجحيم، ورأى نفسه فيما هي فيه من النعيم، ما ملك نفسه أن قال كما يعرض لمن يكون في شدة فيأتيه الفرج فجأة فيصير كأنه في منام أو أضغاث أحلام، لا يصدق ما صار إليه سروراً:{أفما} أي أنحن يا إخواني منعمون مخلدون فيتسبب عن ذلك أنا ما {نحن بميتين *} أي بعد حالتنا هذه، وأكده لأن مثله لأجل نفاسته لا يكاد يصدق، ثم أعرق في العموم بما هو معياره فقال:{إلا موتتنا الأولى} أي التي كانت في الدنيا.
ولما ذكر نعمة الخلاص من الموت، ذكر نعمة الإنقاذ من الأكدار فقال:{وما}{نحن} وأكد النفي فقال: {بمعذبين *} .
ولما تذكر هذا فاستفزه السرور، وازدهته الغبطة والحبور،