لم يملك نفسه أن قال في أسلوب التأكيد لما له في ذلك من النشاط لما له من خرق العادة منبهاً على عظمته لتعظيم الغبطة:{إن هذا} أي الملك الذي نحن فيه {لهو} أي وحده {الفوز العظيم *} أي الذي لا شيء يعدله. ولما دل هذا السياق على عظيم ما نالوه، زاد في تعظيمه بقوله:{لمثل هذا} أي الجزاء {فليعمل العاملون *} أي لينالوه فإنهم يغتنون غنى لا فقر بعده بخلاف ما يتنافسون فيه ويتدالجون عليه من أمور الدنيا، فإنه مع سرعة زواله منغض بكدره وملاله.
ولما فات الوصف هذا التشويق إلى هذا النعيم، رمى في نعته رمية أخرى سبقت العقول وتجاوزت حد الإدراك وعلت عن تخيل الوهم في استفهام منفر من ضده بمقدار الترغيب فيه لمن كان له لب فقال:{أذلك} الجزاء البعيد المنال البديع المثال {خير نزلاً} فأشار بذلك إلى أنه إنما هو شيء يسير كما يقدم للضيف عند نزوله على ما لاح في جنب ما لهم وراء ذلك مما لا تسعه العقول ولا تضبطه الفهوم: {أم شجرة الزقوم *} أي التي تعرفها بأنها في غاية النتن والمرارة، من قولهم: تزقم الطعام - إذا تناوله على كره ومشقة شديدة، وعادل بين ما لا معادلة بينهما بوجه تنبيهاً على ذلك، ولأنهم كانوا يرون