ولما كشف هذا السياق عن أن هذا الصرف أمر لا يقدم عليه عاقل، كان كأنه قيل: هل وقع لأحد غير هؤلاء مثل هذا؟ فأجيب بقوله:{كذلك} أي مثل هذا الصرف الغريب البعيد عن مناهيج العقلاء {يؤفك} أي يصرف صرف سيئاً - بناه للمفعول إشارة إلى تمام قدرته عليه بكل سبب كان، ولأنه المتعجب منه {الذين كانوا} مطبوعين على أنهم {بآيات الله} أي ذي الجلال والجمال {يجحدون *} أي ينكرون عناداً ومكابرة، فدل هذا على أن كل من تكبر عن حق فأنكره مع علمه به عوقب بمسخ القلب وعكس الفهم، فصار له الصرف عن وجوه الدلائل إلى أقفائها ديدناً بحيث يموت كافراً إن لم يتداركه الله برحمة منه.
ولما تقرر أنه سبحانه ربنا وحده، وأن مدعي ربوبية ما سواه معاند، لأنه سبحانه متميز بأفعاله التي لا يشاركه فيها أحد، دل على ذلك بوجه مركوز في الطبائع صحته، واضح في العقول معرفته، كالمعلل لتسمية هذا الإنكار جحوداً، فقال دالاً بالخافقين بعد الدلالة بما نشأ عنهما من الملوين، وأخر هذا لأنه مع كونه أجلى سبب بقرارية الأرض وفلكية السماء لذاك، بما حصل فيه من الاختلاف، فقال:{الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء {الذي جعل} أي وحده {لكم الأرض} أي مع كونها فراشاً ممهداً {قراراً} مع كونها في