ولما ذكر تكذيبهم إشارة إلى أنه جبلة لهم جحدوا بها النبوة رأساً فلاحظ لهم في التصديق للحق فلا يفترق حالهم بالنسبة إلى أحد من الناس كان من كان، فلذلك سبب عن هذا المطلق قوله:{فكذبوا عبدنا} أي على ما له من العظمة نسبة إلينا لكونه لم يتعبد لغيرنا قط مع تشريفنا إياه بالرسالة، فكان تكذيبهم فراً مما دخل في تكذيبهم المطلق الشامل لكل ما يمكن تكذيبه وهو ميد (؟){وقالوا} مع التكذيب أيضاً زيادة على تغطية ما ظهر منه من الهداية: {مجنون} أي فهذا الذي يظهر له من الخوارق من أمر الجن.
ولما كان إعلاء الصوت على النبي كائناً من كان عظيم القباحة جداً زائد الفظاظة فكيف إذا كان مرسلاً فكيف إذا كان من أولي العزم فكيف إذا كان على سبيل الإنكار عليه، فكيف إذا كان على صورة ما يفعل ممن لا خطر له بوجه، قال بانياً للمجهول إشارة إلى تبشيعه من غير نظر إلى قائل وإيذاناً بأن ذلك لم يكن من أكابرهم فقط بل من كبيرهم وصغيرهم:{وازدجر *} أي أعملوا أنفسهم في انتهاره وتوعده وتهديده وانتشر ذلك في جميعهم بغاية ما يكون من الغلظة كفاله عن الرسالة ومنعاً له عنها، والمعنى أنهم قالوا: إنه استظهر عليهم بالجنون.
ولما طال ذلك منهم ومضت عليه أجيالهم جيلاً بعد جيل حتى مضى له من إنذارهم أكثر مما مضى من الزمان لأمة هذا النبي الحاتم إلى يومنا هذا، وأخبره الله أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن معه،