تسبب عن ذلك الدعاء بالراحة منهم، فلذلك قال صارفاً وجه الخطاب إلى صفة الإحسان والربوبية والامتنان إيذاناً بأنه أجاب دعاءه ولبى نداءه:{فدعا ربه} أي الذي رباه بالإحسان إليه برسالته معلماً له لما أيس من أجابتهم: {أني مغلوب} أي من قومي كلهم بالقوة والمنعة لا بالحجة، وأكده لأنه من يأبى عن الملك الأعظم يكون مظنة النصرة، وإبلاغاً في الشكاية إظهاراً لذل العبودية، لأن الله سبحانه عالم بسر العبد وجهره، فما شرع الدعاء في أصله إلا لإظهار التذلل، وكذا الإبلاغ فيه {فانتصر *} أي أوقع نصري عليهم أنت وحدك على أبلغ وجه.
ولما استجاب له سبحانه، سبب عن دعائه قوله، عائداً إلى مظهر العظمة إعلاماً بمزيد الغضب الموجب دائماً للاستيعاب بالغضب:{ففتحنا} أي تسبب عن دعائه أنا فتحنا فتحاً يليق بعظمتنا {أبواب السماء} كلها في جميع الأقطار، وعبر بجمع القلة عن الكثرة لأن عادة العرب أن تستعيره لها وهو أرشق وأشهر من بيبان، وسياق العظمة يأبى كونه لغيرها. ولما كان المراد تهويل أمر الماء بذكر حاله التي كان عليها حتى كأن المحدث بذلك شاهده جعلت كأنه آية فتحت بها السماء فقال:{بماء منهمر *} أي منصب بأبلغ ما يكون من السيلان والصب عظماً وكثرة، ولذلك لم يقل: بمطر، لأنه خارج عن تلك العادة، واستمر ذلك أربعين يوماً {وفجرنا} أي صدعنا بما لنا من العظمة وشققنا وبعثنا وأرسلنا {الأرض عيوناً} أي جميع عيون الأرض، ولكنه