فلم يكن مستغرقاً للزمان الماضي أدخل الجارّ فقال:{من قبل} أي قبل ما نزل إليكم وهم اليهود والنصارى.
ولما كانوا في كل قليل يعبرون قال عاطفاً على {أوتوا الكتاب} : {فطال عليهم الأمد} أي الزمان الذي ضربناه لشرفهم ومددناه لعلوهم من أول إيتائهم الكتاب الذي من شأنه ترقيق القلوب، والأمد الأجل، وكل منهما يطلق على المدة كلها وعلى آخرها، وكذا الغاية بقول النحاة:«من» لابتداء الغاية و «إلى» لانتهائها، والمراد جميع المدة {فقسمت} أي بسبب الطول {قلوبهم} أي صلبت واعوجت حتى كانت بحيث لا تنفعل للطاعات والخير فكانوا كل قليل في تعنت شديد على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام يسألونهم المقترحات، وأما بعد ايتائهم فأبعدوا في القساوة، فمالوا إلى دار الكدر بكلياتهم وأعرضوا عن دار الصفاء فانجروا إلى الهلاك باتباع الشهوات، قال القشيري: وقسوة القلب إنما تحصل من اتباع الشهوة وإن الشهوة والصفوة لا تجتمعان.
ولما كان التقدير: فبعضهم ثبت على تزلزل، عطف عليه قوله:{وكثير منهم} أخرجته قساوته عن الدين أصلاً ورأساً فهم {فاسقون *} أي عريقون في وصف الإقدام على الخروج من دائرة الحق التي عداها لهم الكتاب، وعن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله