للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجاب عنه بما يأتي: قولكم غير صحيح لسببين:

أولًا: أن الصحابي غير ملزم بنقل قوله في هذه المسألة، وإنما القدر الكافي أن يفتى بالصواب، فله ذكر الرواية وعدمها، كالمفتي له ذكر الدليل، أو ذكر الحكم.

ثانيًا: احتمال ترك الصحابي للرواية بسبب الورع، كما كان كثيرًا من السلف، يتوقفون في الرواية للأحاديث خشية الوقوع في الخطأ فيُفتي بالمعنى. (١)

الوجه الثاني: أن الاجتهاد لا يُوجب الاتباع للصحابي، بسبب طول المشاهدة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا يوجب عصمته من الوقوع في الخطأ في الاجتهاد، والحاصل له حسن الظن وأنه أقرب للصواب. لكن لا يجب الاتباع، كالعالم لا يجوز له اتباع الأعلم منه، وإن كان اجتهاد الأعلم أقرب للصواب، وهذ يقتضي أن الصحابي الذي طالت صحبته أولى من غيره وكبارهم أولى من صغارهم. (٢)

ويجاب عنه بما يأتي:

١ - قولهم: لا يجب اتباع الصحابي بسبب عدم الإخبار والرفع للرسول -صلى الله عليه وسلم- غير صحيح.

لأن قول الصحابي المخالف للقياس الظاهر أنه حديث موقوفُ، ففتواه تكون دليلًا على أن الخبر ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيجب العمل به كحال خبر الواحد. بمعنى مأمورنا بالعمل بغلبة الظن ولدينا احتمالان:

الاحتمال الأول: أن يكون قاله بلا توقيف.

الاحتمال الثاني: أن يكون قاله عن توقيف، والثاني هو الأقرب وهذا يكفي في غلبة الظن.

٢ - قولهم: كون الصحابي شاهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا تجعله معصومًا من الخطأ في الاجتهاد لأقواله، وأفعاله.

وإن كانت المشاهدة لا توجب العصمة لكن توجب مزايا أخرى، فكونهم شهدوا التنزيل وعَلمُوا التأويل، فهذه الأمور تجعل لأقوالهم اعتبارًا لا يُجعَل لأحد من بعدهم؛ فالصحابي يُلاحظ القرائن التي لا يعرفها من بعده. فيستطيع فهمَ المقصود أكثر ممن جاء بعده، وهذا كافي في ترجيح قوله فيقدم قول الصحابي كما يقدم خبر الواحد على القياس.

٣ - قولهم: العالم لا يجب اتباع من هو أعلم منه، وصغار الصحابة لا يتبعون كبارهم -أي ترجيح بعض الصحابة على بعض يختلف عن ترجيح الصحابة على غيرهم-غير صحيح.


(١) انظر: «العدة في أصول الفقه» (٤/ ١١٨٧)
(٢) انظر: المصدر السابق، (٤/ ١١٨٧)

<<  <   >  >>