ذلك شرعاً، وسبب ذلك أن خوف الفوت يحمله على المسارعة إلى المكافأة بالعقوبة، والله -سبحانه- قادر على ذلك حالاً، ومآلاً، لا يعجزه شيء ولا يفوته" (١) .
قلت: ليس عجز الإنسان عن الصبر من أجل خوف الفوت فقط، بل ولأنه لا يستطيعه ولا يتحمله، لأن ذلك يضره في نفسه، أو غير ذلك.
والذي يظهر أن ما أراده البخاري -رحمه الله- من الحديث، هو البيان بأن الله -تعالى- مسمى بالأسماء الحسنى، ومتصف بالصفات العليا، حقيقة على ما يليق به-تعالى-، وعلى ما يفهم من اللفظ الموضوع للمعنى المتعارف عليه من ظاهر اللغة، الذي أطلقه -تعالى- على نفسه أو أطلقه عليه رسوله، دون تكلف تأويل، أو رجوع إلى اصطلاح متكلم، أو متفلسف، كما بين ذلك قوله: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم" فهذا هو حقيقة الصبر المعروف في اللغة، ونصوص الشرع، فلا يجوز العدول عن ذلك بالتأويلات التي تبعد المعنى عن مقصود المتكلم من اللفظ، ودل قوله: "ثم يعافيهم، ويرزقهم" على فضله على عباده بالعافية والرزق، وأن كل ما يقع بأيديهم من رزقه، فهو الذي هيأ أسبابه ويسر طرقه.
وقوله: "ثم يعافيهم ويرزقهم" أي أنه -تعالى- يقابل إساءتهم بالإحسان، فهم يسيئون إليه -تعالى- بالعيب والسب، ودعوى ما يتعالى عنه ويتقدس، وتكذيب رسله ومخالفة أمره، وفعل ما نهاهم عنه فعله، وهو يحسن إليهم بصحة أبدانهم، وشفائهم من أسقامهم، وكلاءتهم بالليل والنهار مما يعرض لهم، ويرزقهم بتسخير ما في السماوات والأرض لهم، وهذا غاية الصبر والحلم والإحسان، والله أعلم.