للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومدح الإنسان نفسه نقص يلام عليه، وكذلك طلبه من الناس، وتكلفه لذلك يدل على نقصه، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن المدح ولا سيما في الوجه؛ لأن ذلك مظنة الفتنة والاغترار، وقد يكون المدح بالكذب، وربما حمله المدح على ظلم من لم يمدحه.

وفي "صحيح مسلم" عن همام بن الحارث أن رجلاً جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه - وكان رجلاً ضخماً - فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب" (١) .

وروى ابن ماجه عن معاوية قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إياكم والتمادح فإنه الذبح" (٢) وسنده حسن، وفي ذلك أحاديث كثيرة.

قال النووي: " قال العلماء: الجمع بين هذه الأحاديث وما جاء دالاً على الجواز - أي جواز المدح - أن النهي محمول على المجازفة في المدح، والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه الفتنة، من إعجاب ونحوه، إذا سمع المدح، وأما من لا يخاف عليه ذلك؛ لكمال تقواه، ورسوخ عقله، ومعرفته، فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة" (٣) .

أما الله -تعالى- فلكماله المطلق مدح نفسه؛ لأنه أهل المدح والثناء، ولأن الخلق لا يقدرون على مدحه بما يستحق، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: " لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" (٤) .


(١) "مسلم" (٤/١٢٩٧) ، و "ابن ماجه" (٢/١٢٣٢) رقم (٣٧٤٢) .
(٢) "السنن" (٢/١٢٣٢) رقم (٣٧٤٣) .
(٣) "شرح مسلم" (١٨/١٢٦) .
(٤) سبق تخريجه قريباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>