التحريف، وأحياناً يكون تأويلاً بعيداً جداً، وقد أمتلأت الدنيا بكتب هذا المذهب، وادعى أصحابها أنهم أهل السنة، ونسبوا من آمن بالنصوص على ظاهرها إلى التشبيه والتجسيم.
هذا ولابد لعلماء الإسلام-ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم - من مقاومة هذه التيارات الجارفة، على حسب ما تقتضيه الحال، من مناظرات، أو بالتأليف، وبيان الحق بالبراهين العقلية والنقلية، وقد يصل الأمر أحياناً إلى شهر السلاح.
وقد أكثر علماء السنة من التأليف في الرد على أهل الأهواء والانحراف، كما ظهر بعض الطوائف المقابلة لتلك البدع كالسالمية والكلابية، الذين تولوا أيضاً الرد على أهل تلك الانحرافات، غير أنهم كثيراً ما يردون البدع ببدع مماثلة لما يرد أو قريباً منها، يزداد من أجل ذلك التباس الحق على كثير من الناس، بخلاف ما إذا كان الرد بما دل عليه كتاب الله- تعالى- وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم - كما هو نهج أهل السنة، بالإضافة إلى المعقول الصريح.
ومن كبار علماء السنة الذين ردوا على أهل البدع، الإمام البخاري-رحمه الله تعالى - في كتاب أفرد لذلك سماه "خلق أفعال العباد"، ولم يقتصر فيه على ما يفهم من الاسم، بل رد فيه على الجهمية والقدرية وغيرهم، كما رد على المرجئة في كتاب الإيمان من "الجامع الصحيح"، ورد على الجهمية والمعتزلة ومن سلك طريقهم في كتاب "التوحيد"، الذي ختم به كتابه "الجامع الصحيح"، وسلك فيه طريقاً واضحاً في الرد، إذ اقتصر على ذكر النصوص، من الكتاب والسنة، التي فيها بيان بطلان مذاهب هؤلاء المشار إليهم، فكأنه يقول: هذا كتاب ربنا الذي أنزله علينا وأمرنا باتباعه، وحضنا على تدبره وفهمه، وجعله هدى ونوراً وشفاءً للمؤمنين به، وهذه سنة نبينا الذي كلفنا بطاعته، ومتابعته، وفيهما العصمة عن الخطأ، وهما صريحان في بيان الحق، الذي ضل عنه هؤلاء المبتدعة، ففيهما تكفلا برد ما جاؤوا به، فلا يسع المسلم إلا الأخذ بهما، ورد ما خالفهما، ففيهما الهدى والنور، وفي تركهما الضلال والهلاك، والله-تعالى- لم يكلنا إلى