وأما صبره -تعالى- فمتعلق بكفر عباده، وشركهم، ومسبتهم له -تعالى وتقدس- وسائر معاصيهم، وفجورهم، فلا يدعوه ذلك إلى تعجيل عذابهم، بل يصبر عليهم ويمهلهم، ويرفق بهم، ويستصلحهم بحلمه وصبره ونعمه، حتى إذا لم يبق فيهم موضع للصنيعة ولا يصلحون على الإمهال، ولم ينيبوا إليه، لا من باب الإحسان والنعم، ولا من باب البلاء والنقم، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، بعد غاية الإعذار إليهم، وبذل النصيحة لهم، ودعائهم من كل باب.
وهذا كله من موجبات صفة حلمه، وهي صفة ذاتية له لا تزول.
وأما الصبر فإذا زال متعلقه كان كسائر الأفعال التي توجد لوجود الحكمة وتزول بزوالها، فتأمله، فإنه فرق لطيف قل من تنبه له.
وقد أشكل على كثير من العلماء مجيء هذا الاسم في أسماء الله الحسنى، وقالوا: لم يأت في القرآن، فأعرضوا عن الاشتغال به.
ولو أنهم أعطوه حقه لعلموا أن الرب -تعالى- أحق به من جميع خلقه، كما هو أحق باسم العليم، والرحيم، والقدير، والسميع، وسائر أسمائه الحسنى من المخلوقين، وأن التفاوت الذي بين صبره -تعالى- وبين صبرهم، كالتفاوت الذي بين حياته وحياتهم، وعلمه وعلمهم، وهذا في سائر صفاته -تعالى-، ولهذا قال أعرف خلقه به:" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله" -تعالى- فعلم أرباب البصائر بصبره -سبحانه- كعلمهم برحمته وعفوه وستره، مع أنه صبر مع كمال علم وقدرة، وعظمة وعزة، وهو صبر على أعظم مصبور عليه، فإن مقابلة أعظم العظماء، وملك الملوك، وأكرم الأكرمين، ومن إحسانه فوق كل إحسان بغاية القبح، وأعظم الفجور، وافحش الفواحش، ونسبته -تعالى- إلى كل ما لا يليق به، والقدح في كماله، وفي أسمائه وصفاته، والإلحاد في آياته، وتكذيب رسله -عليهم السلام- ومقابلتهم بالسب والشتم والأذى، وتحريق أوليائه، وقتلهم وإهانتهم- أمر لا يصبر عليه إلا الصبور الذي لا أحد أصبر منه، ولا نسبة لصبر جميع الخلق من أولهم إلى آخرهم إلى صبره -سبحانه وتعالى-.