للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا وغيره يتبين ضلال الذين يزعمون أن فريقاً من الناس- ممن يدعون لهم الولاية- أنهم يعلمون الغيب، وكذا الذين يدعون ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يعلم الغيب إلا الله -تعالى-، وقد أمره الله أن يعلم الناس أنه لا يعلم الغيب، فقال تعالى: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (١) ، فنفى -تعالى- علم الغيب عن الخلق عموماً، من في السماوات كالملائكة، ومن في الأرض كالأنبياء، فكيف يدعى علم ذلك لغيرهم؟

وأما أصحاب الدجل والتمويه، الذين يحتالون على أكل أموال الناس بالباطل، كالذين يزعمون معرفة ما في المستقبل، بواسطة النجوم، أو بقراءة الكف، أو فنجان القهوة، ونحو ذلك، فهؤلاء لا يخفى ضلالهم وكذبهم إلا على أجهل الناس، والمغفلين منهم.

وأما الإخبار عما يسمى "بالطقس" أحوال الجو من أمطار، أو رياح أو غيوم أو صحو أو غير ذلك، فهي توقعات مبنية على مقدمات مستفادة من مراصد

الأحوال الجوية التي تتأثر بالرطوبة واليبوسة ونحو ذلك، ولهذا كثيراً ما يكون الأمر على خلاف ما قالوا.

"وأراد بالغيب في الحديث المذكور: الغيب الحقيقي؛ إذ لبعض الغيوب علامات ومقدمات يستدل بها على شيء من ذلك، وهذا ليس غيباً حقيقياً؛ فالغيب الحقيقي لا يعلمه إلا الله -تعالى-.

ثم الغيب نوعان: أحدهما: ما يتعلق بذات الله -تعالى- وحقائق صفاته.

والثاني: يتعلق بمخلوقاته، وهي كلها لديه معلومة، وقد قال -تعالى-: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (٢) .


(١) الآية ٦٥ من سورة النمل.
(٢) الآية ٥٩ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>