للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٠-قال: " حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد؛ عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن الله لما قضى الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي".

قوله: " قضى الله الخلق" قضي: يأتي بمعنى حكم، وأمر، وقدر، وفرغ، وأمضى، وأتقن، ومعناها هنا: فرغ من خلق المخلوقات، فهو نحو قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أو فرغ من تقدير الخلق، ويدل لذلك الرواية الآتية في آخر الكتاب " قبل أن يخلق الخلق".

وتقدم هذا الحديث في باب قول الله،: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} وقد غاير بين سنده هنا وهناك، وفي متنه بعض الاختلاف، ففي الرواية المتقدمة " لما خلق الله الخلق " وهنا " إن الله لما قضى الخلق"، وهناك "كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه، وهو وضع عنده على العرش، وهنا "كتب عنده، فوق عرشه" وهناك " إن رحمتي تغلب غضبي"، وهنا "سبقت غضبي".

وقد مضى شرحه، والمقصود هنا، قوله: " عنده، فوق عرشه، " هذان ظرفان مختصان بالمكان، وقد أضيفا إلى الله -تعالى-، فلا بد أن هذه الإضافة تقتضي تخصيصاً للعرش على غيره من السماوات والأرض.

"فإضافة العرش إلى الله إضافة مخصوصة، وقد قال -تعالى-: {عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (١) ، فإذا كان العرش مضافاً إلى الله في هذه الآية ونحوها إضافة اختصاص، فذلك يوجب أن يكون بينه وبين الله -تعالى- من النسبة ما ليس لغيره، فما يذكره الجهمية من الاستيلاء، والقدرة، وغير ذلك، أمر مشترك بين العرش، وسائر المخلوقات" (٢) .

وما في هذا من قوله: " عنده فوق عرشه"، والآيات نحو {ذُو الْعَرْشِ} ، و {عَرْشَ رَبِّكَ} ينفي أن يكون الثابت من الإضافة هو القدر المشترك بين سائر


(١) الآية ١٧ من سورة الحاقة.
(٢) "نقض التأسيس" (١/٥٧٠-٥٧٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>