المخلوقات، كما تقوله الجهمية وأتباعهم، ويوجب اختصاصاً للعرش بالله ليس لغيره من سائر
٣٣٩
المخلوقات، وقد علم المسلمون أنه استوى على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، كما أخبرهم ربهم بذلك، ونبيهم -صلى الله عليه وسلم-.
وما نقله الحافظ عن الخطابي أن معنى "فوق العرش" أي: " عنده علم ذلك فهو لا ينساه، ولا يبدله" هو من تخبطات أهل التأويل، ويقال له: وهل علم الله يختص بهذا الكتاب، فهو الذي لا ينساه، ولا يبدله، وأما سائر الكون فليس عنده علمه أو ينساه ويبدله؟ إن الأجدى بالخطابي ومن يشتغل بالحديث أن يتبع كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يحمله على المذاهب الباطلة، بل يجب أن يصونه عن مثل هذه التحريفات الباردة. والحق أن قوله:"عنده فوق عرشه" على ظاهره، وأن كل تأويل له عن ظاهره، تبديل للمعنى الذي أراده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحن نؤمن إيماناً يقيناً قاطعاً - وكل المؤمنين- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحرص على عقيدة المسلمين، وعلى تنزيه الله -تعالى- من هؤلاء المحرفين لكلامه، وهو كذلك أقدر على البيان والإيضاح منهم، وهو كذلك أعلم بالله، وما يجب له وما يمتنع عليه من هؤلاء المتخبطين.
فهذا كتاب خاص، وضعه عنده فوق عرشه، مثبتاً فيه ما ذكر؛ لزيادة الاهتمام به، ولا ينافي ذلك أن يكون مكتوباً أيضاً في اللوح المحفوظ.
وهو كتاب حقيقة، كتبه -تعالى- كما ذكر لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حقيقة، وهو عند الله حقيقة، فوق عرشه حقيقة، والمقصود أن الله، -تعالى- مستو على عرشه على الحقيقة، وعرشه فوق مخلوقاته كلها عالٍ عليها.