معتمر، سمعت أبي يقول: حدثنا قتادة، أن أبا رافع حدثه، أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش)) .
الكتابة هي: إثبات الكلام المكتوب، في محل الكتابة، والله سبحانه، كتب ذلك الكتاب في شيء تثبت فيه الكتابة، ويثبت الكلام في ذلك الشيء بالكتابة، سواء كان اللوح المحفوظ أو غيره، فالمقصود إثبات الكتابة للكلام، وأن كون الكلام في الكتاب، ليس ككون الماء في الإناء، والعرض بالجوهر، والرجل في البيت، بل هو قسم غير هذا، وهو معقول يدركه الناس، ويفهمون معنى كون الكلام في الكتاب، وهذا الحديث تقدم شرحه، وغرضه من الطريق الأخرى، تصريح أبي رافع وقتادة بالتحديث، فيزول احتمال التدليس.
وقوله:((قبل أن يخلق الخلق)) لا يعارض قوله في الرواية قبلها: ((لما قضى)) ؛ لأنه يجوز أن يراد بالخلق: التقدير والفراغ منه، وهو غير الإيجاد، ومعلوم أن خلق الله - تعالى - لا نهاية له.
وتبين أن مقصود البخاري - رحمه الله - بهذا الباب، أن يبين معنى كون القرآن في المصحف؛ أنه مكتوب مسطور فيه، مثل ما أن اسم الله في المصحف، فإن القرآن كلام الله، والكلام يقوم بالمتكلم صفة له، قال شيخ الإسلام: ليس معنى قول السلف: القرآن كلام الله، منه بدأ، ومنه خرج، أنه فارق ذاته، وحل في غيره، فإن كلام المخلوق إذا تكلم به، لا يفارق ذاته، ويحل بغيره، فكيف يكون كلام الله؟ قال تعالى:{كَبُرَت كَلِمَةً تَخرُجُ مِن أَفوَاهِم إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} .