وهذا القول: هو الحق الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وأما القول الأول فهو ضلال بين، حيث لم يفرق قائله بين ما يجب على الخالق - تعالى - وما يجب على المخلوق.
"والفروق بين الخالق والمخلوق لا تخفى إلا على من عميت بصيرته"
منها: أن الرب- تعالى - غنى بنفسه عن كل ما سواه، ويمتنع أن يكون محتاجاً إلى غيره، بوجه من الوجوه، وأما الخلق فسادتهم وملوكهم ومن دونهم محتاجون إلى غيرهم، حاجة ضرورية.
ومنها: أن الرب - تعالى - وإن كان يحب الأعمال الصالحة، ويفرح بتوبة التائبين، فهو الذي يخلق ذلك، وييسره، فلا يحصل ما يحبه ويرضاه إلا بقدرته ومشيئته، والمخلوق كثيراً ما يحصل له ما يحبه بغير فعله بل بفعل غيره.
ومنها: أن الرب- تعالى - أمر العباد بما يصلحهم، ونهاهم عما يفسدهم.
قال قتادة:" إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليهم، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلاً عليهم، بل أمر بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم" بخلاف المخلوق الذي يأمر غيره بما يحتاج إليه هو، وينهاه بخلاً عليه.
ومنها: أنه - سبحانه - هو المنعم بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وهو المنعم بإيجاد القدرة والحواس، وغير ذلك مما يحصل به العلم والعمل الصالح، وهو الهادي لعباده، والمخلوق لا يقدر على شيء من ذلك.
ومنها: أن نعمه - تعالى - على عباده أعظم من أن تحصى، فلو قدر أن العبادة جزاء لنعمه لم نقم بشكر قليل منها، فكيف والعبادة من نعمه؟
ومنها: أن العباد لا يزالون مقصرين في حقه، محتاجين إلى عفوه، ومغفرته،