للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه حق بالاعتبار والقياس على خلقه، كما يجب للمخلوق على مثله، وكما يظن جهال العباد أن لهم على الله حقاً بعبادتهم؛ لأن النفوس الجاهلة تتخيل أن الإنسان بعبادته وعلمه يصير له على الله حق، من جنس ما يصير للمخلوق على المخلوق (١) ، كمن يطيع سيده ورئيسه فيجلبه له منفعة، أو يدفع عنه مضرة، ويبقى يتقاضى العوض، والمجازاة على ذلك، ويقول عند الجفاء والإعراض: ألم أفعل كذا؟ يمن عليه بما فعل معه، وإن لم يقله بلسانه، كان ذلك في قلبه، وتخيل مثل هذا في حق الله من جهل الإنسان وظلمه.

ولهذا بين الله تعالى أن عمل الإنسان يعود نفعه عليه، وأن الله غني عن الخلق.

قال - تعالى -: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (٢)

وقال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} (٣) .

ومن قال: للمخلوق على الله حق، فهو صحيح، إذا أراد به الحق الذي أخبر الله بوقوعه، فإن الله لا يخلف الميعاد، وهو الذي أوجبه على نفسه بحكمته وفضله ورحمته" (٤) .


(١) ولهذا نجد الجهال وأنصاف المتعلمين يلهجون إلى الله تعالى بسؤاله بحق فلان وفلان، ويعتقدون أن هذا أقرب إلى حصول مطلوبهم، وهو من جهل الإنسان بربه، وعدم تقديره حق قدره، وأكثر ما يقع الشرك في المسلمين من هذا الباب.
(٢) الآية ٤٠ من سورة النمل.
(٣) الآية ٤٦ من سورة فصلت.
(٤) "مجموع الفتاوى" (١/٢١٣) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>