للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالله -تعالى- مع عباده، يراهم، ويسمع كلامهم، وهو محيط بهم، وعلمه بهم من لوازم معيته لهم، وليست المعية هي العلم كما يتوهمه بعض الناس، فعلمه -

تعالى - محيط بكل شيء ولا يختلف أو يتغير، ولذلك صارت المعية إلى خاصة، وعامة، وكل واحدة لها مقتضاها وحكمها، فمن مقتضى العامة: المراقبة، والتخويف، والاطلاع على جميع التصرفات، وما تكنه الصدور.

ومن مقتضى الخاصة: النصر، والتأييد، والحفظ.

وتفسير من فسرها بالعلم من السلف، يقصد بيان أن الله ليس مختلطاً بخلقه أو حالاً فيهم، أو أن شيئاً من مخلوقاته تحويه، أو تظله، أو تقله - تعالى وتقدس-.

وأما القرب، فقد جاء على صيغتين: الإفراد، نحو قوله -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (١) ، وكما في حديث أبي موسى المتقدم: " إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته".

وهو -تعالى- فوق عرشه، ويقرب ممن يشاء من خلقه، كيف يشاء، كما قرب من موسى - عليه السلام - حين كلمه، وهو فوق عرشه، فوق السماوات كلها، فلا تنافي بين علوه، وقربه ومعيته؛ لأنه تعالى أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وهو محيط بكل شيء، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، تعالى الله عن ظنون السوء الكاذبة.

فعلو الله العلي العظيم، واستواؤه على عرشه، ومعيته وقربه، كل ذلك ثابت له، حق على ظاهره، كما أخبر به -تعالى- عن نفسه، وأخبرت به رسله، فالكل ثابت لله -تعالى- في الكتب الإلهية، وفي نصوص الأنبياء.

وأهل الفطرة العقلية السليمة، من الأولين والآخرين، يقولون: إنه -تعالى- فوق عرشه، عالٍ على خلقه، وهو معهم، بعلمه ورؤيته، وسمعه وإحاطته، وقبضته وهيمنته عليهم.


(١) الآية ١٨٦ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>