للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلق لا يضرونه، لكن يؤذونه" (١) .

فابن آدم يؤذي الله - تعالى- ويسبه، بإضافة ما يتعالى ويتقدس عنه، مثل نسبة الولد إليه -تعالى- والند، والشريك في العبادة، التي يجب أن تكون خالصة له وحده، ومثل إسناده نعمه وأفعاله إلى غيره، من الدهر، والطبيعة، والكون والمخلوقات، وغير ذلك، ثم يسبون ما أسندوا تلك الحوادث إليه، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادتهم حوادثه، وأهلكتهم كوارث الطبيعة، ويا خيبة الدهر، وهذا زمان سوء، وما أشبه ذلك.

وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله-تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب ليله ونهاره" (٢) .

وأذية الله-تعالى- بنسبة الحوادث، والكوارث إلى الدهر، أو الطبيعة، وتوجيه اللوم والقدح والسب إلى ذلك كثيرة في كلام أهل الأدب وغيرهم، مع أن ذلك

صنع الله وفعله، ولذلك يرجع السبب إليه، تعالى عن قولهم علواً كبيراً، كقول ابن المعتز:

يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحداً ... وأنت والد سوء تأكل الولدا

وقال أبي الطيب المتنبي:

قبحاً لوجهك يا زمان فإنه ... وجه له من كل قبح برقع (٣)

وقول الطرفي:

إن تبتلى بلئام الناس يرفعهم ... عليك دهر لأهل الفضل قد خانا


(١) "تيسير العزيز الحميد" (ص٥٤٢) .
(٢) انظر: "البخاري" (٦/١٦٦) وتفسير سورة الجاثية (٨/٥٧٤) ، و (١٠/٥٦٤) الأدب، و (٩/١٧٩) التوحيد، و"مسلم"، الأدب (٧/٤٥) .
(٣) "ديوان المتنبي" (ص٣٩٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>