ثم قال:" لا بد أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال أحدها؛ لأن المجلس كان واحداً، وسؤالهم وجوابهم في ذلك المجلس، وعمران الذي روى الحديث لم يبق في المجلس إلى انقضائه، بل ذهب لما أخبر بذهاب راحلته، وهو أخبر بلفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يرو هذا الحديث غيره، فدل ذلك على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال واحداً من هذه الألفاظ، والآخران رويا بالمعنى، فيكون ما قاله: هو لفظ "القبل"؛ لما في "صحيح مسلم"، من قوله -صلى الله عليه وسلم-: " أنت الأول فليس قبلك شيء" (١) .
وأكثر أهل الحديث يرويه بهذا اللفظ، وهو ذكر الجمل الثلاث بالواو، وهي:
١-" قوله: كان الله، ولم يكن شيء قبله ".
٢-" وكان عرشه على الماء".
٣-" وكتب في الذكر كل شيء".
ولم يذكر شيئاً منها بثم، وإنما جاء ذلك في خلق السماوات والأرض.
والواو، لا تفيد الترتيب، على الصحيح، فلا يكون في ذلك ذكر أول المخلوقات، بل ولا فيه الإخبار بخلق العرش، والماء، وإن كان ذلك كله مخلوقاً، ولكن المقصود أن جوابه لأهل اليمن، عند بدء خلق السموات والأرض، وما بينهما، وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام، لا ابتداء ما خلقه الله قبل ذلك.
ويدل على ذلك، أنه أخبر عن تلك الأشياء بما يدل على وجودها، ولم يتعرض لابتداء خلقها، وذكر السموات والأرض بما يدل على خلقها، سواء قال: " خلق السموات والأرض" أو قال: " وثم خلق السموات والأرض" فعلى التقديرين، أخبر بخلق ذلك، وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن.
فتبين أنه لم يكن مقصوده الإخبار عن أول جنس المخلوقات، بل ولا الإخبار عن خلق العرش والماء، وإنما مقصوده الإخبار عن بدء خلق السموات
(١) انظر: " صحيح مسلم" (٤/٢٠٨٤) الحديث رقم (٢٧١٣) .