للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان كل شيء محصى في كتاب كتبه الله -تعالى- عنده، وعلمه محيط وسابق كل شيء، شبه الرسول- صلى الله عليه وسلم - ذلك بالمخازن التي لها أبواب، والباب له مفتاح، فإذا كان المفتاح لا يعلمه أحد ولا يصل إليه، فكيف بما وراءه؟

وقد قال -تعالى-: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} (١) ، وحصر -صلى الله عليه وسلم - مفاتيح الغيب بالخمس لأنها تشمل العوامل كلها.

فقوله: "ما تغيض الأرحام" إشارة إلى ما يزيد في النفوس، وما ينقص منها؛ وذكر الأرحام؛ لأن للناس عليها عوائد يعرفونها؛ وتجارب أدركوها، وقد قرر عليها أحكام شرعية، ومع ذلك لا يعلم حقيقتها، ومتى تزيد ومتى تنقص إلا الله -تعالى-، فغيرها مما هو أخفى أولى بأن لا يعلمه الخلق.

وأشار بقوله: "ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله تعالى" إلى أمور العالم العلوي، فذكر منه المطر؛ لأن له مقدمات، وعلامات يستدل بها عليه عادة، أجراها الله -تعالى-، ومع ذلك لا يعلم حقيقة الحال إلا الله -تعالى-، فكيف بما وراء ذلك مما في السماوات وما بينهما، وما يجد هناك من المخلوقات، والحوادث، والأوامر التي يريدها الله -تعالى-، ويأمر بها؟

وأشار بقوله: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (٢) ، إلى الحوادث الأرضية، وذكر موضع الموت من الأرض، مع أن العادة قد جرت في الغالب أن الإنسان يموت في الأرض التي يستقر فيها؛ ومع ذلك لا أحد يتيقن أنه يموت في مكانه الذي يعيش فيه، ولا يدري أين موضعه الذي يوارى فيه.

فإذا كان الأمر في مثل هذا غير معلوم، فكيف بالأمور الأخرى التي لا علامات لها، ولا مقدمات يستدل بها عليها؟


(١) الآية ٢١ من سورة الحجر.
(٢) الآية ٣٤ من سورة لقمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>