للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن جرير –رحمه الله تعالى-: "أي الذين يؤذون ربهم بمعصيتهم إياه، وركوبهم ما حرم عليهم" (١) .

وفي قوله: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله" دليل واضح على تسميته –تعالى- بذلك، أعني "الصبور"، كما جاء في حديث الأسماء الحسنى.

قال ابن القيم –رحمه الله تعالى-: "فقد أطلق عليه –تعالى- أعرف الخلق به، وأعظمهم تنزيهاً له، هذه الصفة: "وما أحد أصبر على أذى سمعه من الله "، كما أن ما ورد في الأسماء الحسنى "الصبور" من أمثلة المبالغة، فهو أبلغ من "الصابر" والصبار. ومعنى الصبر معلوم في اللغة، والشرع، والعرف، فلسنا بحاجة إلى تأويلات المتكلمين، التي تبعد عن المعنى المقصود من الخطاب.

وصبر الله –تعالى- لا يماثل صبر المخلوق، بل يختلف عنه من وجوه:

منها: أنه عن قدرة تامة. ومنها: أنه لا يخاف الفوت، والعبد إنما يستعجل لخوف الفوت. ومنها: أنه –تعالى- لا يلحقه بصبره ألم، ولا حزن، ولا نقص بوجه من الوجوه. وظهور أثر هذا الاسم الكريم مشهود في العالم بالعيان، كظهور اسمه –تعالى- الحليم. والفرق بين الصبر والحلم: أن الصبر ثمرة الحلم، وموجبه، والحلم في صفاته –تعالى- أوسع من الصبر، ولهذا جاء في القرآن في مواضع كثيرة، وجاء مقروناً مع اسمه العليم، كقوله –تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (٢) ، وقوله –تعالى-: {وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (٣) (٤) ، وحلمه –تعالى- من لوازم ذاته.


(١) "تفسير الطبري" (٢١/٤٤) .
(٢) الآية ٥١ من سورة الأحزاب.
(٣) الآية ١٢ من سورة النساء.
(٤) وقد جاء اقترانه باسمه الغفور في مواضع عدة من القرآن كقوله تعالى: {ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم] {سورة آل عمران: آية ١٥٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>