للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنه عالم الغيب، وأنه استأثر به دون خلقه، فكان ذلك دليلاً على أنه لا يعلم الغيب سواه، فعلمه -تعالى- وسع كل شيء في الماضي، والمستقبل، والحال. وفي الآية الأولى استثنى -تعالى- من ارتضاه من رسله، فأطلعهم على ما يشاء من غيبه، عن طريق الوحي إليهم، وإعلامهم به، وجعل ذلك معجزة لهم، ودليلاً على نبوتهم وصدقهم.

وليس المنجم والكاهن، ومن ضاهاهما، كالضارب بالحصى، والناظر في الكتب والأكف، وما أشبه ذلك، ممن أرتضاه الله من الرسل، حتى يطلعهم على ما يشاء من الغيوب، بل هم مفترون على الله، يصطادون أموال الجهلة من الناس بالتلبيس والحدس والتخمين الكاذب والادعاء الفارغ.

"والغيب" مصدر غاب، إذا استتر عن العين، قال -تعالى-: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} (١) ، واستعمل في كل غائب عن الحاسة، وعما يغيب عن علم الإنسان، قال -تعالى-: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (٢) ، ويقال للشيء: غيب، وغائب، باعتبار تعلقه بالناس.

أما الله -تعالى- فإنه لا يغيب عنه شيء. وقوله -تعالى-: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (٣) ، أي: ما يغيب عنكم، وما تشهدونه. والغيب في قوله -تعالى-: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (٤) : ما لا يقع تحت الحواس، ولا يقتضيه بدائه العقول، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام" (٥) .


(١) الآية ٢٠ من سورة النمل.
(٢) الآية ٧٥من سورة النمل.
(٣) الآية ٢٢ من سورة الحشر.
(٤) الآية ٣ من سورة البقرة.
(٥) "المفردات" للراغب (ص٣٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>