وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار في عدة واوات، ونحو ذلك، وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معاً، وأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بكتابته لواحد، أو اثنين، [وعلمه بعض الصحابة] ، وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم،
فهو مما كانت القراءة جائزة به توسعة على الناس، وتسهيلاً، فلما آل الأمر إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان – رضي الله عنه – وكفَّر بعضهم بعضاً، اختار الصحابة – رضي الله عنهم – الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته، وتركوا الباقي.
قال الطبري: وصار ما اتفق عليه الصحابة من الاقتصار على حرف واحد، كمن اقتصر مما خير فيه على خصلة واحدة؛ لأن أمرهم بالقراءة على الأوجه المذكورة، لم يكن على سبيل الإيجاب، بل على سبيل الرخصة.
قلت: ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الباب:{فَاقرَءُواْ مَا تَيَسَرَ مِنهُ} وقال أبو العباس ابن عمار: أصح ما عليه الحذاق: أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها، لا كلها، [فما وافق رسم المصحف من تلك الحروف جازت القراءة به مع التواتر] ، وما خالفه مثل:((أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج)) ، ومثل:((إذا جاء فتح الله والنصر)) فهو من تلك القراءات التي تركت، إن صح سندها، ولا يكفي صحة سندها في إثبات كونها قرآناً، ولا سيما والكثير منها مما يحتمل أن يكون من التفسير الذي قرن إلى التنزيل، فصار يظن أنه منه)) (١) .
وقال البغوي في ((شرح السنة)) : ((المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرض على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأمر عثمان – رضي الله عنه – بنسخه في المصاحف، وجمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك؛ قطعاً لمادة الخلاف،