وأكد ذلك بقوله:((فإنك تقدر ولا أقدر)) أي: تقدر أن تجعلني قادراً، فاعلاً، ولا أقدر أن أجعل نفسي كذلك، وكذلك قوله:((تعلم ولا أعلم)) أي: حقيقة العلم بعواقب الأمور، ومآلها، والنافع منها والضار عندك، وليس عندي.
وقوله:((يسره لي)) أو ((اصرفه عني)) ، فإنه طلب من الله تيسيره إن كان له فيه مصلحة، وصرفه عنه إن كان فيه مفسدة، وهذا التيسير والصرف متضمن إلغاء داعية الفعل في القلب، أو إلقاء داعية الترك فيه، ومتى حصلت داعية الفعل، حصل الفعل، [وإذا حصل] داعية الترك امتنع الفعل.
وعند القدرية: ترجيح فاعلية العبد على الترك، ليس للرب فيه صنع، ولا تأثير، فطلب هذا التيسير منه لا معنى له عندهم، فإن تيسير الأسباب التي لا قدرة للعبد عليها موجودة، ولو لم يسألها العبد.
وقوله:((ثم رضني به)) يدل على أن حصول الرضا، وهو فعل اختياري من أفعال القلوب،، - أمر مقدور للرب تعالى – وهو الذي يجعل نفسه راضية.
وقوله:((فاصرفه عني، واصرفني عنه)) صريح في أنه سبحانه هو الذي يصرف عبده عن فعله الاختياري، إذا شاء صرفه عنه، كما قال تعالى في حق يوسف:{لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ} وصرف السوء والفحشاء: هو صرف دواعي القلب، وميله، فينصرفان عنه بصرف دواعيهما.
وقوله:((واقدر لي الخير حيث كان)) يعم الخير المقدور للعبد من طاعته، وغير المقدور له.
فعلم أن فعل العبد للطاعة والخير، أمر مقدور لله – تعالى -، إن لم يقدره الله لعبده، لم يقع من العبد.