فبنوره اهتدى أهل السماوات والأرض، وهذا إنما هو فعله، وأما النور الذي هو وصفه فهو قائم به، ومنه اشتق له اسم النور، الذي هو أحد الأسماء الحسنى، كما دلت على ذلك النصوص، فلا يجوز تحريف ذلك بالتأويلات الباطلة.
وأما الأنوار القائمة بأعيان مشاهدة قائمة بأنفسها، فلم تأت إضافتها إلى الله -تعالى- أبداً، فلا يقال لأنوار المصابيح، أو نور الشمس أو القمر أو الكواكب، إنها نور الله.
والحديث تضمن ثلاثة أمور شاملة عامة للسماوات والأرض:
وهي: ربوبيتهما، وقيوميتهما، ونورهما.
فكونه - سبحانه - رباً لهما، وقيوماً لهما، ونوراً لهما، أوصاف له -تعالى-، وآثار هذه الأمور الثلاثة قائمة بهما.
فأثر الربوبية: الخلق والإيجاد، وأثر القيومية: صلاحهما، وانتظامهما، وأثر نوره -تعالى- استنارة السماوات، وإشراق الأرض بنوره يوم القيامة.
وأما صفة الربوبية والقيومية، والنور، فهي قائمة به - تعالى - كما أن صفة الرحمة، والقدرة، والإرادة، والرضا، والغضب، قائمة به -تعالى- والرحمة الموجودة في العالم، والإحسان، والخير، والنعمة، والعقوبة، آثار تلك الصفات.
وهكذا علمه -تعالى- القائم به هو صفته، وأما علوم عباده فمن آثار علمه، وقدرتهم من آثار قدرته.
وبذلك يعلم أن قول المعطلة:" كل عاقل يعلم بالبديهة أنه الله - سبحانه - ليس هو هذا النور الفائض من جرم الشمس والقمر والمصابيح، فلا بد من حمل قوله: " أنت نور السماوات والأرض" على معنى أنه منور السماوات والأرض، أو هادي أهل السماوات والأرض " يعلم أنه باطل من جنس تحريفاتهم لسائر صفات الله، كما هو نهجهم.