للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في قوله -تعالى-: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} " أنعمت عليك - يا موسى - هذه النعم، ومننت عليك هذه المنن، اجتباء مني لك، واختباراً لرسالاتي، والبلاغ عني، والقيام بأمري ونهيي" (١) .

وقال ابن كثير: "أي: اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي، أي كما أريد وأشاء" (٢) .

وقال ابن سعيد الدارمي: "وادعى المعارض: أن الله لا يوصف بالضمير، والضمير منفي عن الله، وهي كلمة خبيثة قديمة، من كلام جهم، عارض بها جهم قول الله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ، يدفع بذلك أن يكون الله -تعالى- سبق له علم في نفسه من الخلق وأعمالهم قبل أن يخلقهم.

فرد عليه بعض العلماء، وقالوا: كفرت بها من ثلاثة أوجه:

الأول: أنك نفيت عن الله العلم السابق في نفسه قبل حدوث الخلق.

الثاني: أنك استجهلت المسيح ابن مريم - عليه السلام - بأنه وصف ربه بأن له خفايا علم في نفسه، إذ يقول: {وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} .

الثالث: أنك طعنت به على محمد -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء به مصدقاً لعيسى..

قال أبو سعيد: "وقول جهم هذا أصل كبير في تعطيل النفس والعلم السابق، ويرد عليه بقوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ، فذكر المسيح أن لله علماً سابقاً في نفسه، يعلمه الله، ولا يعلمه هو".

ثم روى عن أبي البحتري أنه قال: " لا يقولن أحدكم: اللهم أدخلني مستقر رحمتك، فإن مستقر رحمته نفسه" (٣) .


(١) "تفسير الطبري" (١٦/١٦٨) مطبعة الحلبي.
(٢) "تفسير ابن كثير" (٤/٢٨٧) طبعة الشعب.
(٣) نقض عثمان بن سعيد على بشر المريسي، (ص٥٥٠) "عقائد السلف"، ملخصاً بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>