فمصيره إلى النار، وأنه بلغ العباد ما أرسل به، وبين لهم دينهم أتم بيان، وأنه عبد الله أكرمه بالرسالة، وليس له من العبادة شيء، بل العبادة كلها لله تعالى.
وهاتان الشهادتان متلازمتان، لا تقبل إحداهما دون الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشرك به شيئاً، ولم يشهد أن محمداً رسول الله، فهو كافر بالله وخالد في النار، وإن جاء بعبادة أهل الأرض.
ومن شهد أن محمداً رسول الله، وأشرك بالله شيئاً شركاً كبيراً، فهو كافر خالد في النار، فلا بد من اجتماع هاتين الشهادتين في العبد حتى يكون موحداً.
وأما مجرد النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، مع عبادة غير الله، وتعلق القلب بمن يعتقدهم أولياء، وطلب الحاجات منهم التي لا يقدر عليها إلا الله، ومع مخالفة أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وارتكاب ما نهى عنه، فإن ذلك لا يفيد شيئاً، ولا يكون الإنسان به مسلماً.
قال النووي- رحمه الله-: "واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء، والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام، اعتقاداً جازماً خالياً من الشكوك، ونطق مع ذلك بالشهادتين، فإن اقتصر على أحدهما لم يكن من أهل القبلة أصلاً، بل يخلد في النار، إلا أن يعجز عن النطق لخلل في لسانه"(١) .
وهذه الشهادة أيضاً تتضمن الإيمان بأسماء الله وصفاته؛ لأن ذلك من عبادة الله التي تعبد الخلق بها.
وهذا الحديث دليل ظاهر على أن التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله وحده، والبعد عن عبادة ما سواه، والإيمان بأسمائه وصفاته، كما جاء في وحيه إلى رسله، هو أول واجب على العباد.
(١) "شرح النووي للبخاري" (ص١١٣) ، ولا بد مع اعتقاد القلب، ونطق اللسان، من العمل مع التمكن، فلابد من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع، وغير ذلك من الواجبات.