للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بين الله -تعالى- المقصود من زواج رسوله -صلى الله عليه وسلم- بزينب بقوله: {فلما قض زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً} (١) .

المعنى: لما فرغ زيد منها وطابت نفسه عنها، وطلقها، أمرناك بتزوجها؛ لئلا يبقى في قلوب المؤمنين حرج في تزوج زوجات أدعيائهم، الذين تبنوهم، فصاروا يدعون إليهم، فيقال: ابن فلان، وليس ابناً له، إذا فارقوهن.

وهذا إمعان في إبطال هذا التبني، الذي كان معروفاً في الجاهلية الأولى كما عرف في الجاهلية الحاضرة، حيث أمر الله -تعالى- إمام المسلمين وقدوتهم بذلك، وكان زيد بن حارثة قد تبناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما تقدمت الإشارة إليه، فكان يدعى بزيد بن محمد، فأبطل الله -تعالى- ذلك بقوله: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ {٤} ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (٢) .

فهو -تعالى- يعلم عباده أن أدعياءهم الذين هم مواليهم، ودعوهم أبناء لهم، أنهم ليسوا لهم بأبناء؛ لأنهم أبناء رجال آخرين.

وقد أوحى الله -تعالى- إلى رسوله بأنه سوف يتزوج زينب، أوحى الله بذلك إليه قبل أن يطلقها زيد، فلما جاء يشكوها إليه، ويستشيره في طلاقها، قال له: " اتق الله يا زيد، وأمسك عليك زوجك" فعاتبه الله -تعالى-: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي


(١) الآية ٣٧ من سورة الأحزاب.
(٢) الآيتان ٤ و ٥ من سورة الأحزاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>