٦١-ثم ذكر حديث أبي ذر الذي تقدم في الباب قبل هذا فقال:
"حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ؟ قال:: " مستقرها تحت العرش".
قد تقدم شرحه والشاهد منه هنا: أن الشمس في ارتفاعها، وأبعد ما تكون عن الأرض التي عليها المخاطبين آنذاك، تكون تحت العرش، فالمخلوقات كلها تحته، والله -تعالى- فوق العرش، فهو عالٍ على خلقه كلهم وفوقهم.
في هذا الباب والذي قبله قصد البخاري - رحمه الله تعالى - إثبات علو الله، واستواءه على العرش، كما هو ثابت في نفس الأمر، وتضافرت عليه أدلة الوحي، والعقول والفطر، وكما هو مذهب السلف من الصحابة، وأتباعهم إلى اليوم.
والنصوص التي ذكرها البخاري ظاهرة الدلالة على ذلك، وهي نزر يسير جداً من النصوص الكثيرة المتنوعة في ذلك.
قال ابن أبي العز: " ومن سمع أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكلام السلف، وجد منه في إثبات الفوقية ما لا ينحصر.
ولا ريب أن الله - سبحانه - لما خلق الخلق، لم يخلقهم في ذاته المقدسة، فإنه الأحد الصمد، فتعين أنه خلقهم خارجاً عن ذاته.
ولو لم يتصف - سبحانه - بفوقية الذات، مع أنه قائم بنفسه، غير مخالط للخلق؛ لكان متصفاً بضد ذلك؛ لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده، وضد الفوقية: السفول، وهو مذموم على الإطلاق.