للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس بين العقل الصريح والنقل الصحيح تناقض أصلاً، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: درء تعارض العقل والنقل، وغيره.

فقولهم: إن القرينة الصارفة عن الظاهر، هي العقل، خطأ محض، إذ العقل يوافقها لا يخالفها كما توهموه، كما أن إثبات الصفات ليس فيه تشبيه كما زعموا، ولكن الأوهام وسوء الظن بالله ورسوله أرداهم.

ومن حججهم الباطلة التي حملتهم على صرف النصوص عن ظاهرها، ورأوا وجوب تأويلها لذلك، هي قاعدتهم في أن جميع الأجسام حادثة لملازمتها للأعراض التي هي الصفات، فوجب تنزيه الرب -تعالى- عن كل صفة تستلزم التركيب، أو الجسمية؛ لأن الأعراض لا تكون إلا في جسم، والجسم لا بد أن يكون مركباً من الجواهر - كما زعموا-، ولهذا قالوا: إن الاستواء والعلو، يلزم منهما النقلة، والمكان، والحركة، وهذه من صفات الأجسام.

فيقال لهم: الحياة، والعلم، والسمع، والبصر - مما جوزتم لأنفسكم أن تصفوه به- لا يعقل أن تقوم إلا بجسم، مع أنكم تسمون الصفات: أعراضاً، ولا فرق بين ما أثبتموه وما نفيتموه في المعنى، ألا يجوز لغيركم أن يصف الله -تعالى- بما وصف

به نفسه، ووصفته به رسله بأنه -تعالى- مستوٍ على عرشه، وعالٍ على خلقه، وبأن له وجهاً ويدين حقيقة، ونحو ذلك مما تسمونه: أبعاضاً، تستلزم التركيب، والجسمية؟ كما افتريتموه على رب العالمين، ورميتم من وصف الله -تعالى- بما وصف به نفسه، بالتشبيه، والتجسيم، مع أنهم أقرب إلى المعقول منكم، وقد سلم لهم المنقول بدون تحريف.

قال شيخ الإسلام: " ولا ريب أن الله موجود، قائم بنفسه، وترفع إليه الأيدي عند الدعاء، كما فطر على ذلك جميع عباده، ولا ريب أنه تجوز رؤيته في الآخرة، كما أخبر بذلك في كتابه، فإذا سموا هذه المعاني تجسيماً، فلا ينبغي لنا أن نترك ما أخبر الله به عن نفسه في كتابه، ونذهب إلى تأويلها، لمجرد هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>