للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو -تعالى- كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " كان الله، ولم يكن شيء معه" (١)

ونحن وأنتم وكل العقلاء، لا نعقل وجود أحد منا، إلا في مكان، وما ليس في مكان، فهو عدم، والله بخلاف ذلك، فلا يجوز أن يقاس بخلافه كما فعلتم، قلتم: لو كان في مكان لأشبه خلقه.

فإن زعموا أنه يلزم من كونه -تعالى- في العلو، التغير، والانتقال؛ لأنه، كان ولا مكان، فلما خلق المكان صار في العلو، فزال عن صفته في الأزل وصار في مكان.

قيل: وأنتم يلزمكم أقبح من ذلك، وهو زعمكم أنه -تعالى- كان، لا في مكان، ثم صار في كل مكان، فقد تغير عندكم معبودكم، وانتقل من لا مكان، إلى كل مكان، وهذا لازم لكم، لا انفكاك لكم منه.

وقولهم: كان الله، ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه قبل خلق المكان، كلام فاسد، متناقض، وذلك أن النفاة للاستواء والعلو، وغيرهما، على قسمين:

قسم يقول: إن الله لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا شمال، ولا أمام، ولا خلف، ولا داخل العالم، ولا خارجه، وهذا لا يفهم منه إلا العدم المحض، فليس له وجود فعلي على هذا الوصف، فهو إذاً ليس له مكان أصلاً، إذ لا وجود له.

وقسم يقول: إنه في كل مكان، فيلزم أنه كان في كل مكان، قبل خلق المكان، فهو إذا في هذا الكون كله، قبل خلقه له، وهذا قول ظاهر الفساد، إذ معناه: كان في الأمكنة، قبل خلقها.

فالحق " أن الله -تعالى- ليس كمثله شيء، لا في نفسه، ولا في فعله، ولا في


(١) تقدم هذا الحديث مشروحاً، وبين أن هذا اللفظ مروي بالمعنى، وأن الصواب: "ولم يكن شيء قبله".

<<  <  ج: ص:  >  >>